فصل: الخبر عن دولة أبي سعيد وأبي ثابت من آل يغمراسن وما فيها من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتزاء عثمان بن جرار على ملك تلمسان بعد نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان وعود الملك بذلك لبني زيان:

كان بنو جرار هؤلاء من فضائل نيدوكسن بن طاع الله وهم بنو جرار بن يعلى بن نيدوكسن وكان بنو محمد بن زكراز يفضون إليهم من أول الأمر حتى صار الملك إليهم واستبدوا به فجروا على جميع الفصائل من عشائرهم ذيل الاحتقار ونشأ عثمان بن يحيى بن محمد بن جرار هذا من بينهم مرموقا بعين التجلة والرياسة وسعى عند السلطان أبي تاشفين بأن في نفسه تطاولا للرياسة فاعتقله مدة وفر من محبسه فلحق بملك المغرب السلطان سعيد فآثر محله وأكرم منزله واستقر بمثواه فنسك وزهد واستأذن السلطان عند تغلبه على تلمسان في الحج بالناس فأذن له وكان قائد الركب من المغرب إلى مكة سائر أيامه حتى استولى السلطان أبو الحسن على أعمال الموحدين وحشد أهل المغرب من زناتة والعرب لدخول إفريقية اندرج عثمان هذا في جملته واستأذنه قبيل القيروان في الرجوع إلى المغرب فأذن له ولحق بتلمسان فنزل على أميرها من ولد الأمير أبي عنان كان قد عقد له على عملها ورشحه لولاية العهد بولايتها فازدلف إليه بما بثه من الخبر عن أحوال أبيه وتلطف فيما أودع سمعه من تورط أبيه في مهالك إفريقية وإياسه من خلاصه ووعده بمصير الأمر إليه على ألسنة الخبراء والكهان وكان يظن فيه أن لديه من ذلك علما وعلى تفيئة ذلك كانت نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان وظهر مصداق ظنه وإصابة قياسه فأغراه بالتوثب على ملك أبيه بتلمسان والبدار إلى فاس لغلب منصور ابن أخيه أبي مالك عيها كان استعمله جده أبو الحسن هنالك وأراه آية سلطانه وشواهد ملكه وتحيل عليه في إشاعة مهلك السلطان أبي الحسن والقائه على الألسنة حتى أوهم صدقه وتصدى الأمير أبو عنان للأمر وتسايل إليه الفل من عساكر بني مرين فاستلحق وبث العطاء وأعلن بابا لدعاء نفسه في ربيع سنة تسع وأربعين وسبعمائة وعسكر خارج تلمسان للنهوض إلى المغرب كما نذكره في أخبارهم ولما فصل دعا عثمان لنفسه وانتزى على كرسيه واتخذ الآلة وأعاد من ملك بني عبد الواد رسما لم يكن لآل جرار واستبد أشهرا قلائل إلى أن خلص إليه من آل زيان من ولد عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن من طمس معالمه وخسف به وبداره وأعاد أمر بني عبد الواد في نصابه حسبما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن دولة أبي سعيد وأبي ثابت من آل يغمراسن وما فيها من الأحداث:

كان الأمير أبو يحيى جدهما من أكبر ولد يغمراسن بن زيان وكان ولى عهده بعد مهلك أخيه عمر الأكبر ولما تغلب يغمراسن على سجلماسة سنة إحدى وستين وستمائة استعمله عليها فأقام بها حولا وولد له هناك ابنه عبد الرحمن ثم رجع إلى تلمسان فهلك بها ونشأ عبد الرحمن بسجلماسة ولحق بتلمسان بعد أمه فأقام مع بني أبيه إلى أن غص السلطان بمكانه وغربه إلى الأندلس فمكث بها حينا وهلك في مرابطته بثغر قرمونة في بعض أيام الجهاد وكان له بنون أربعة يوسف وعثمان والزعيم وإبراهيم فرجعوا إلى تلمسان وأوطنوها أعواما حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن على ملكهم وأضاف إلى دولته دولتهم نقلهم من تلمسان إلى المغرب في جملة أعياصهم ثم سألوا إذنه في المرابطة بثغور الأندلس التي في عمله فأذن لهم وفرض لهم العطاء وأنزلهم بالجزيرة فكانت لهم بالجهاد مواقف مذكورة ومواطن معروفة ولما استنفر السلطان أبو الحسن زناتة لغزو إفريقية سنة ثمان وأربعين وسبعمائة كانوا في جملته مع قومهم بني عبد الواد وفي رايتهم ومكانهم معلوم بينهم فما اضطرب أمر السلطان أبي الحسن وتألب عليه الكعوب من بني سليم أعراب إفريقية وواضعوه الحرب بالقيروان كان بنو عبد الواد أول النازعين عنه إليهم فكانت النكبة وانحجز بالقيروان وانطلقت أيدي الأعراب على الضواحي وانتقض المغرب من سائر أعماله أذنوا لبني عبد الواد في اللحاق بقطرهم ومكان عملهم فمروا بتونس وأقاموا بها أياما وخلص الملاء منهم نجيا في شأن أمرهم ومن يقدمون عليهم فأصفقوا بعد الشورى على عثمان بن عبد الرحمن واجتمعوا الله لعهده بهم يومئذ وقد خرجوا به إلى الصحراء وأجلسوه بباب مصلى العيد من تونس على درقة ثم ازدحموا عليه بحيث توارى شخصه عن الناس يسلمون عليه بالإمارة ويعطونه الصفقة على الطاعة والبيعة حتى استهلوا جميعا ثم انطلقوا به إلى رحالهم واجتمع مغراوة أيضا إلى أميرهم علي بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل الذي ذكرناه من قبل وتعاهدوا على الصحابة إلى أعمالهم والمهادنة آخر الأيام واستئثار كل بسلطانه وتراث سلفه وارتحلوا على تفيئة ذلك إلى المغرب وشنت البوادي عليهم الغارات في كل وجه فلم يظفروا منهم بقلامة ظفر: مثل ونيفن ونونة وأهل جبل بني ثابت ولما مروا ببجاية وكان بها فل من مغراوة وتوجين نزلوا بها منذ غلبوا على أعمالهم وصاروا في جند السلطان فارتحلوا معهم واعترضهم بجبل الزاب برابرة زواوة فأوقعوا بهم وظهر من نجدتهم وبلائهم في الحروب ما هو معروف لأولهم ثم لحقوا بشلف فتلقتهم قبائل مغراوة وبايعوا لسلطانهم علي بن راشد فاستوسق ملكه.
وانصرف بنو عبد الواد والأميران أبو سعيد وأبو ثابت بعد أن أحكموا العقد وأبرموا الوثاق مع علي بن راشد وقومه وكان في طريقهم بالبطحاء أحياء سويد ومن معهم من أحلافهم قد نزلوا هناك مع شيخهم وترمار بن عريف منهزمهم من تاسالت أمام جيوش السلطان أبي عنان فأجفلوا من هنالك ونزل بنو عبد الواد مكانهم وكان في جملتهم جماعة من بني جرار بن نيدوكسن كبيرهم عمران بن موسى ففر ابن عثمان بن يحيى بن جرار إلى تلمسان فعقد له على حرب أبي سعيد وأصحابه فنزل الجند الذين خرجوا معه إلى السلطان أبي سعيد وانقلب هو إلى تلمسان والقوم في أثره فأدرك بطريقه وقتل ومر السلطان إلى البلد فثارت العامة بعثمان بن جرار فاستأمن لنفسه من السلطان فأمنه ودخل إلى قصر الملك آخر جمادى الأخيرة من سنة تسع وأربعين وستمائة فاقتعد أريكته وأصدر أوامره واستوزر واستكتب وعقد لأخيه أبي ثابت الزعيم على ما وراء بابه من متون ملكهما وعلى القبيل والحروب واقتصر هو على ألقاب الملك وأسمائه ولزم الدعة وتقبض لأزل دخوله على عثمان بن يحيى بن جرار فأودعه المطبق إلى أن مات في رمضان من سنته ويقال قتيلا وكان من أول غزوات السلطان أبي ثابت غزاته إلى كومية وذلك إلى كبيرهم إبراهيم بن عبد الملك كان شيخا عليهم منذ حين من الدهر وكان ينتسب في بني عابد وهم قوم عبد المؤمن بن علي من بطون كومية فلما وقع الهرج بتلمسان حسب أنه لا ينجلي غمامه وحدثته نفسه بالانتزاء فدعا لنفسه وأضرم بلاد كومية وما إليها من السواحل نارا وفتنة فجمع له السلطان أبو ثابت ونهض إلى كومية فاستباحهم قتلا وسبيا واقتحم هنين ثم ندرومة بعدها وتقبض على إبراهيم بن عبد الملك الخارج فجاء به معتقلا إلى تلمسان وأودعه السجن فلم يزل به إلى أن قتل بعد أشهر وكانت أمصار المغرب الأوسط وثغوره لم تزل على طاعة السلطان أبي الحسن والقيام بدعوته وبها حاميته وعماله وأقر بها إلى تلمسان مدينة وهران كان بها القائد عبد بن سعيد بن جانا من صنائع بني مرين وقد ضبطها وثقفها وملأها أقواتا ورجلا وسلاحا وملأ مرساها أساطيل فكان أول ما قدموه من أعمالهم النهوض إليه فنهض السلطان أبو ثابت بعد أن جمع قبائل زناتة والعرب ونزل على وهران وحاصرها أياما وكان في قلوب بني راشد أحلافهم مرض فداخلوا قائد البلد في الانقضاض على السلطان أبي ثابت ووعدوه الوفاء بذلك عند المناجزة فبرز وناجزهم الحرب فانهزم بنو راشد وجروا الهزيمة على من معهم وقتل محمد بن يوسف بن عنان بن فارس أخي يغمراسن بن زيان من أكابر القرابة وانتهب المعسكر ونجا السلطان أبو ثابت إلى تلمسان إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى.